مقدمة قصيرة في تاريخ الفقه الإسلامي
ودور
العقل والإجتهاد والقياس
فيه
إشراف: الأستاذ نبيل غالب عقلان
المقدمة:
«والمُؤمِنُونَ والمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَآءُ بَعضً يأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ»*1*. أسس دين الإسلام على أمر بسيط. يعتقد الكثير من المسلمين أنه ليس من الصعب أن يفرقوا بين الحلال والحرام، أو بين الصح والخطأ. ولكن في الوقت نفسه المؤمنون من أهل السنّة والمؤمنون من أهل البيت يختلفون في عدد أركان الإسلام*2* وفوق هذا يوجد أختلاف بين المذاهب عن المعنى «توحيد الله»*3*. طعباً، لستُ أقول أنه لا يوجد في الإسلام الأشياء المبينة والثابتة، بالعكس المسلمون متفقون على معظم المبادئ في عقيدتهِم، وإتفقون أن القرآن كلام الله وفيه كلام واضح تماماً. ولكن كيف يُحلّ الإختلاف في الأشياء التي لم يذكرها القرآن مباشرةً وتفصيلاً؟ فينَقَل المسلمون إلى الفقهاء ولكن إذا القاضي لم يجد الحلّ في القرآن فأين يبحث؟ هل يستطيع القاضي أن يقضي برأيه فقط؟ وما هو دور العقل في حكمِهِِ؟ هل يوجد نظام لأجل أن يحكم بدون القرآن والسنّة؟
الآن نفهم لماذا أصول الفقه مهمة جدّاً، وفيه أسس الشريعة الإسلامية ويفخر المسلمون بذلك. ما هو تاريخ أصول الفقه وما هو دور رأي القاضي وعقله فيه؟ في هذه المقدمة القصيرة سننظر بسرعة في مذاهب الفقه في تاريخ الإسلام وبعد ذلك سننظر ما هو دور العقل الإنساني فيه (أي القياس والإجتهاد)؟ تاريخ الفقه الإسلامي محيط واسع ولا نستطيع أن نحيط بكل ذلك الإرث العظيم الذي تركه العلماء في أصول الفقه، بل يمكننا - إن استطعنا - أن نلقي بعض الضوء على نقاط رئيسية أو جوانب مهمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاريخ الفقه في عصر التابعين:
بعد عصر النبي وبعد عصر الصحابة يأتي عصر التابعين. بعد أن صارت مصر والشام وفارس تحت سلطة الخلافة الإسلامية كان الناس بحاجة إلى شرح الأحكام وشرح القانون فظَهَرَ الفقهاء الذين يجتهدون في أفكارهم عن الدين والحياة. في بداية الأمر كان الفقهاء يستعملون رأيهم من خلال القياس في هذه الفترة. الرأي عندهم ثلاثة أقسام:
أ_ رأي باطل بدون شك.، أي غير حقيقي. «وهذا الذي عارضة الصحابة وحذروا منه»*4*.
ب_ رأي صحيح بدون شك، أي حقيقي. وهذا الذي «أستعمله السلف»*5*.
ت_ القسم الثالث، «و هو موضع الاشتباه»*6*. وفيه قد يكون الرأي صحيحاً وقد يكون الرأي خاطئاً.
فنُشِر من القسم الثالث علم الفقه من خلال الصحابة الأربعة التالية أسماؤهم: إبن مسعود وزيد بن ثابت وعبد اللّه بن عمر وعبد اللّه بن عباس. وانتشروا في مدينتي: بغداد (إبن مسعود) ومكة (البقية). وظَهَرَت مدرستان: مدرسة فقهاء الحجاز ومدرسة فقهاء العراق. طعباً، أسس المدرستان - وأيضاً كل المذاهب الفقه في ما بعد - على القرآن ثم السنّة. وإذا لم يجد في النص (القرآن أو السّنّة) ثم المدرستان استعملتا الآثر والقياس، ولكن مدرسة الحجاز تمسكت بالآثر أكثر، ومدرسة العراق أخدت بالرأي (القياس*7*) والاستنباطية أكثر*8*. ننتقل الآن إلى المذاهب الأربعة وهم من أصل المدرستان في بغداد ومكة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاريخ المذاهب الأربعة في عصر كبار الفقهاء:
من أئمة المذاهب الأقرب من المدرسة البغدادية الإمام أبو حنيفة (٨٠_١٥٠هـ) في بداية الأمر لم يكن عنده نظام متشدد في أُصول الفقه. الفقه الحنفي أسس على القرآن وعلى السنة وعلى الآثر وعلى أقوال أصحاب النبي ولكن أيضاً على القياس والاستحسان كثيراً. كما سنرى في ما بعد، إنَّ القياس عندهم له دور مهم في حكمهم، وبعضهم يعتقدون أنَّ جذور القياس موجودة في القرآن والسنّة.
من أئمة المذاهب الأقرب إلى المدرسة المكية الإمام مالك بن أنس (٩٣_١٧٩هـ). تاريخياً، كانت أخلاق العلماء في المدينة المنورة قريبة إلى أخلاق النبي. وأصحاب المذهب المالكي كانوا يعتبرون عمل أهل المدينة المنورة مصدراً من مصادر الشريعة وأحياناً كانوا يعتبرون عمل أهل المدينة أهم من حديث الآحاد (الذي قد روي عن طريق الإنفراد). لم يفضلوا الاستحسان والقياس مصادراً.
الإمام الشافعي (١٥٠-٢٠٤ هـ) ومذهبه كان يتوافق مع المذهب المالكي أكثر من المذهب الحنفي. كان الإمام الشافعي يشجع الحديث النبوي فقط ولم يفضل غير الحديث ولم يشجع إستخدام الاستحسان. كان يلجأ إلى القياس كأخر وسيلة لأستنباط الحكم. كتب «الرسالة» وفيها نظام أُصول الفقه. وقال الإمام الشافعي:
«...والعلم طبقات شتى، الأُولى: الكتاب والسنّة إذا ثبتت السنّة. ثم الثانية: الإجماع*9* فيما ليس فيه كتاب ولا سنّة. والثالثة: أن يقول بعض أصحاب النبي (ص) ولا نعلم له مخالفاً منهم. والرابعة: اختلاف أصحاب النبي (ص) في ذلك. الخامسة: القياس على بعض الطبقات ولا يصار إلى شيء غير الكتاب والسنة وهما موجودان، وإنما يؤخذ العلم من أعلى»*10*.
كان الإمام الشافعي متشدداً في تقديم النصوص، ولكن كان الإمام أحمد بن حبنل (١٦٤_٢٤١هـ) في مذهبه متشدداً أكثر منه. كان أحمد بن حنبل يحب الإمام الشافعي ولكنه جعل أفكار الشافعي متشددةً جداً وكان يرفض الاستحسان كاملاً. خلال عصر التابعين، لجأت بعض مذاهب الفقه إلى الحديث المروي عن أصحاب النبي في أحكامهِم، فكان المذهب الحنبلي يرفض كل الحديث إلا الحديث النبوي الشريف*11*.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
«منزلة الإجماع والقياس» في «الرسالة»
كما ذكرت سابقاً، إن القياس مشكلة كبيرة بالنسبة لمذهب الشافعي والمذهب الحنبلي. أنزل القرآن من اللّه - الموقف الأعلى - والسنّة من رسول اللّه، فهل من الممكن أن نصدق القياس الذي وجدناه في عقل الإنسان؟
في نهاية «الرسالة» للإمام الشافعي، في النص الأخير في الجزء الثالث، يتحدث الإمام الشافعي عن دور القياس في أُصول الفقه من خلال الحوار. ترك هذا الموضوع حتى النهاية كانّه غير مستحسن ولكنه «ضرورة»*12*.
يسأل السائل «[كيف] حكمْتَ بالقياس؟»*13*. قال الإمام الشافعي إنه قبل أن يحكم بالقياس من الضروري أن نحاول أن نحكم بالخبر (الكتاب والسنّة) فالقياس «أضعف من [الكتاب والسّنة]... ولا يحلُّ القياس والخبرُ موجودٌ»*14*. بالنسبة للإمام الشافعي إن القياس الموقف الأخفض. من هذا التصريح للشافعي سننتقل إلى السوأل التالي: إذا كان القياس ضعيف جداً، فكيف نستطيع أن نصدقه كحجة حقيقية أو كمصدر للفقه الإسلامي؟
بالنسبة للمفكر الهندي المعاصر من المذهب الحنفي*15* يقول أنَّ أصول القياس موجودة في القرآن والسنّة ولذلك فهو جدير بالثقه. ولكن الإمام الشافعي عبقري في أسلوبِهِ لانّه أستخدم القياس لأجل أن يوضح مهمّة وضرورة القياس. فنراه يأتي بمثال عن التيمم:
كما يكون التيمم طهارةً في السفرِ عندَ الإعوَازِ من الماء، ولا يكونُ طهارةً إذا وُجد الماء، إنما يكونُ طهارةً في الإعوازِ. وكذالك يكونُ ما بعدَ السُنّة حجة إذا أعوز من السنّة*16*.
حتى التراب يستطيع أن يجعله الشخص طهارةً أمام الله. فالقياس عنده له دور مهم ويحكم به عندما لا يوجد دليل في القرآن ولا في السُّنّة، والقياس يكون حقيقة في الإعواز*17*.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مؤهلات المجتهد:
ما الذي يؤهل القاضي لاستخدام القياس؟ هل أي قاضي يستطيع أن يجتهد في القياس؟ في القرن العاشر، كتب حسن البصري عن مؤهلات المجتهد*18* وقبله علماء السُّنّة في ما بعد، لاسيما الغزالي العالم الفيلسوف. نستطيع أن نلخص مؤهلات المجتهد كالتالي:
- لا بد أن يفهم اللغة العربية الفصحى ويستطيع أن يفهم القرآن بشكل دقيق.
- من اللازم أن يعرف الفرق بين الآيات المكية والآيات المدنية*19*. لا بد أن يعرف آيات الأحكام (تقريباً ٥٠٠ آية، بالنسبة للغزالي) وحديث الصحابة عنها. ليس من الضروري أن يعرف قصص الأنبياء.
- من اللازم أن يعرف السنّة وسيرة الرواة وإذا كانوا جديرون بالثقه. بالنسبة لإبن حنبل لا بد أن يكون متخصصاً في علم الحديث ويعرف تقريباً ١٢٠٠ حديث.
- من اللازم أن يتأكد من إجماع أصحاب النبي وإجماع الأئمة والمجتهدين تاريخياً وأيضاً لا بد أن يعرف قضاياً بدون إجماع.
- من اللازم أن يعرف نظام القياس إذا وجدت قضية بدون أسبقية.
- لا بد أن يفهم أهداف الشريعة الإسلامية لأجل المصلحه العامة ومن اللازم أن يذكر الآية «يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر»*20* ولا بد أن يكون على يقين وبعيداَ من الشك، ويبحث عن الحقيقة بين الحكم الثابت والحكم اليسير.
- من اللازم أن يكون من الصالحين وليس من الخاسرين.
فهذه مؤهلات عالية جدّاً وحوالي في القرن العاشر قال الغزالي أنه لا يوجد فقيها مؤهلاً أو جديراً بالإجتهاد وقال إن أبواب الإجتهاد مغلقة. طعباً، الكثير من الفقهاء كانوا يجتهدون بعد أن قال الغزالي إن الأبواب مغلقة، لاسيما المذهب المعتزلي الذي قدس العقل وطائفة الشيعة. ولذلك نلتقي الآن إلى أفكارهم وتاريخ فقههم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
علم الكلام وأصول الفقه في تاريخ «الطائفة المحقِقة» الشيعية:
أسست عقيدة الشيعة خلال العصر البويهي في القرن العاشر والقرن الحادي عشر الميلادي. وكما أسستا مدرستي الفقه لأهل السنّة في مكة وبغداد أسس فقه آخر لأهل البيت في مدينتين في فارس: مدينة قم ومدينة ري. صارت بلاد فارس الدولة البويهية ولكنها بعيدة من بغداد ومكة فكان فقهاء الفرس لديهم حرية في الفكر ولهم إستقلال عن المذاهب الأربعة التي ذكرت من قبل. جمع الكلِني (وفاته ٩٤١م) حديث النبي في قم وجمع إبن بابويه (وفاته ٩٩١م) حديث النبي في ري وحتى الآن في الوقت الحاضر فقهاء الشيعة يستخدمون مؤلفات الكلِني ومؤلفات إبن بابوية في أحكامهم*21*.
لقد سافر إبن بابويه إلى بغداد التي كانت عاصمة الخلفاء العباسيين ونشر فكره وأنشأت بعد ذلك المدرسة البغدادية الشيعية. فقهاء الشيعة في بغداد كتبوا عن أصول الفقه التي يستخدمها أئمة الشيعة حتى الآن وصار العقل يلعب دوراً مهماً، وأصبح علم الكلام*22* على جانب كبير من الأهمية في الفقه الشيعي.
من المدرسة البغدادية الشيعية محمد بن محمد بن النعمان الحارثي الملقب بـ«الشيخ المفيد» درس على يد إبن بابويه وقد إنتقد أفكار إبن بابوية في كتاب «الإرشاد» لانّ إبن بابويه زاد في تأكيد الحديث ورفض العقل حتى إذا لم يذكر الحكم سابقاً في القرآن أو السنّة. ولكن الشيخ المفيد شجع علم الكلام حتى في مسائل الايمان. وقد ترك معظم أحاديث الآحاد*23*. بعض مؤلفات الشيخ المفيد - لا سيما في كتابه «أوائل المقالات» - فيه رداً على كتب كثيرة من الطوائف الغير شيعية مثل: أهل السنّة، الحلاج (الصوفي)، الجاحظ الأديب المشهور وغيرِهِ.
طُوِّر علم الكلام على أيادي أصحاب المذهب المعتزلي في البصرة وبغداد. والإسم «معتزلة» من نفس الجذر «إعتزل». ظهر في المرة الأولى في البصرة عندما إبن آتى اعتزل أستاذه حسن البصري بسبب الإختلاف عن «المنزلة بين منزلتين»*24*. وأصبح «معتزلياً» ولكن بالنسبة لهم أسم المذهب «أهل التوحيد والعدل». قدست المعتزلة علم الكلام والفلسفة ولكنهم أسسوا أفكارهم على دين الإسلام. بالنسبة للمعتزلة فإنهم يعتبرون العقل هدية اللّه للإنسان فلا بد للإنسان أن يستخدم عقلَهُ ومن اللازم أن يفكر عن اللّه وعن الكون.
تتكون عقيدة المعتزلة من الأصول الخمسة*25*:
١_ «التوحيد». هذا لم يختلف فيه معظم المسلمين ولكن كان المعتزلة متشددين في التوحيد. الفقيه المعتزلي لا يستطيع أن يذكرها لانّه قد ينكر توحيد اللّه عندما يفتح الباب لأكثر من شيء واحد خالد. بالنسبة للمذهب المعتزلي، كيف يكون اللّه والقرآن خالدين في وقت واحد؟ هل المسلمون يعبدون اللّه أم القرآن؟
٢_ «العدل». اللّه عز وجل ليس ظالم. فالإنسان عنده حرّ وإن ذاته صاحب الأعمال الظالمة واللّه لا يطلب من الإنسان أن يظلم. يتسائل أصحاب المذهب المعتزلي في إذا لم يكن الإنسان حرّاً، فلماذا يوجد ثواب في الجنّة وعذاب في الجحيم؟ فرد معارضوا المعتزلة، يوجد أحياناً نكبات طبيعية وإذا تلك النكبات ليست من الإنسان وليست من اللّه، فمن أين؟ بالنسبة للمعتزلة، هذا دليل على أنًّ «الحياة إمتحان طويل وصعب» فلا بد أن نحافظ على الايمان.
٣_ «الوعد والوعيد». اللّه عادل وعندما يتكلم اللّه عن يوم الدين فهو حق فلا بد للإنسان أن يعمل خيراً في الدنيا.
٤_ «المنزلة بين المنزلتين». إذا أصبح المسلم فاسداً بشكل كبير، أين سيذهب هل إلى الجنّة أو إلى الجحيم في يوم الدين؟ ومن يفعل ذنوب كبيرة ولم يتب وهو ليس مؤمن وليس كافر فبالنسبة للمعتزلة هو «فاسق» ولن يذهب إلى الجنة مباشرة ولن يذهب إلى الجحيم. هذا موقف بين مذهب الخوارج وبين مذهب المورجية*26*.
٥_ «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». يفضلون الخير وينكرون الظلم. يجتهد الفقهاء في هذا الأمر (ونحاول في هذا البحث أن نفهم معناه).
ومن عام ٨٣٣م حتى ٨٤٧م كانت العقيدة الرسمية للدولة العبّاسيّة هي عقيدة المعتزلة*27* ولكن في ما بعد منعت الدولة العبّاسيّة علم الكلام ومنعت عقيدةِ المعتزلةَ. ورث الشيعة علم الكلام لا سيما مذهب الزيدية ومذهب الإمامية. سبب نجاح الشيعة في الوقت الحاضر هو أستخدامهم لعلم الكلام.
بالإضافة إلى ذلك رفض الشيخ المفيد رأياً يقول أن الله خلق أعمال الإنسان وأيضاً خلق ذنوب الإنسان. أنكر الشيخ المفيد أقدار الحياة أما الارادة الحرة فإنها مقبولة وهي شرط أساسي للعدل في يوم الدين. ففي المقابل لأهل السنّة، أخذت الطائفة الشيعية هذه الأفكار من المعتزلة من خلال الشيخ المفيد.
ظَهَر الفقه الشيعي بعد الفقه السُّنَّي، الفقهاء الشيعة أستخدموا مصطلحات الشافعية. مثلاً، أخذ الشيخ المفيد من الشافعية كلمة «إجماع»*28*، ولكن بمعنى أخر: عندما آراء العلماء تتفق مع رأي الإمام الشيعي المعاصر. فرأي الإمام عندهم مهم جداً. ومن ناحية أخرى، رفض الشيخ المفيد القياس والإجتهاد*29*.
من طلاب الشيخ المفيد المشهورين الشريف المرتضى. درس الشريف المرتضى مع بعض فقهاء المعتزلة - لا سيما القاضي عبد الجبّار الريي - ولقد شجع علم الكلام أكثر من الشيخ المفيد. بالنسبة للشريف المرتضى العقل عنده أهم من النقل، وإذا رُفض العقل وأسس الإسلام على التقليد*30* أيصبح الناس كافرين؟ وقد قاس كل أحاديث النبي وكل اجتهادات الأئمة من خلال العقل وإذا الحديث لم يوافق العقل، فالحديث ليس جديراً بالثقه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
خاتمة:
«والمُؤمِنُونَ والمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَآءُ بَعضً يأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ»*31*. إذا رجعنا مرة أخرى إلى سورة التوّبة من أجل أن نتناول الآية التي بدأنا بها، فسنرى هذه الآية بشكل مختلف. كانت الآية تبدو بسيطة في بداية الأمر ولكنها معقدة، ولقد سعت مذاهب كثيرة في تاريخ الإسلام أن تستنبط الأحكام الصحيحة وحاول كل مذهب أن يفعل ذلك بشكل مختلف من أجل تحقيق هذه الآية. حتى اليوم يختلف العلماء في قضايا الشريعة الإسلامية التي تلعب دوراً كبيراً في الدول الإسلامية وفي حياة المسلمين أينما كانوا.
تاريخياً، أستخدمت المذاهب جميعاً دلائل من العقل والنقل بغض النظر عن الطوائف الشيعية أو السنّية. ولكن بعضهم ركز على التقليد أكثر (مثل المذهب الحنبلي)، وبعضهم ركز على العقل أكثر (مثل المذهب المعتزلي). ولكنهم جميعاً كانوا يبحثون عن الهدف نفسه: عدالة مقدسة، عدالة حقيقية بين اللّه والمسلمين والناس جميعاً، نظام الأحكام كامل من أجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وصلنا إلى الخاتمة ولكننا ما زلنا في المقدمة. ـــــــــــــــــــــــ
مصادر:
«الرسالة»، أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي - دار الكتاب العربي، لبنان، بيروت،
٢٠٠٦
«الموجز في أصول الفقه مع معجم أصول الفقه»، محمد عبيد اللّه الأسعدي، دار السلام،
مصر، القاهرة، ١٩٩٨
Halm, Heinz, Shi'ism. 2nd edition. New York: Columbia University Press, 2004
Hodgison, Marhsall. The Venture of Islam, Volume 1: The Classical Age of Islam. Chicago: University of Chicago Press, 1974.
*1*سورة التّوبة، أية ٧١
*2*يشتركون في الخمسة الأركان الأساسية ولكن الشيعة يضيفون إليها
*3*أي المذهب المعتزلة والمذهب الحنبلي
*4*إنظر «الرسالة» للإمام الشافعي، ص ١٣
*5*نفسه
*6*نفسه
*7* والقياس من المناهج في استبناط الأحكام منطقياً.
*8*إنظر «الرسالة» ص ١٣.
*9*معنى الإجماع: عنمدا العلماء يجتمعون بعضهم البعض ويتفقون جميعاً عن الحكم.
*10*إنظر «الرسالة» ص١٧-١٨
*11*إنظر «الرسالة» ص١٩.
*12*إنظر «الرسالة» ص ٣٦٩
*13*إنظر «الرسالة» ص٣٦٨
*14*إنظر «الرسالة» ص٣٦٩
*15*محمد عبيد اللّه الاسعدي، أنظر في كتاب «الموجز»، ص ٢٤٤
*16*نفسه
*17*وفي نهاية الأمر يقارن بين القياس وحكم القاضي الذي يقضي به على المتهم في حالة رجوعهِ عن اليمين ويمين صاحبه في المحكمة. لكن الأقوى هو الإقرار، وثم حكم أقيم بشاهدين ثم حكم بشاهد ويمينه. والموقف الأخفض - مثل القياس - ثم رجوع المتهم عن اليمين ويمين صاحبه، ولكن سيكون هذا الحكم عدلاً.
*18*إنظر في كتاب «المعتمد في أصول الفقه». وفاة حسن البصري في عام ١٠٨٣م
*19*نزل القرآن إلى النبي في مكة وفي ما بعد في المدينة المنورة. سميت تلك آيات من الفترة المكية «الآيات المكية» وسميت تلك آيات من الفترة المدنية «الآيات المدنية».
*20*إنظر سورة البقرة: آية ١٨٥
*21*إنظر «هينز هالم» في كتاب «شيعسم» {طائفة الشيعة} ص٤٨
*22*الكلام: بمعنى منطق على طريق حوار جدلي
*23*إنظر «هالم» ص٤٩
*24*إنظر الأصول الخمسة في هذا البحث، ص٨.
*25*إنظر «مرشال هوجسون» في «الفنتور وف إسلام» ص٣٨٤-٣٨٦
*26*مذهبان متشددان خلال العصر نفسه.
*27*إنظر «هالم» ص٤٩
*28*كما ذكرت سابقاً، معنى الإجماع عند أهل السّنّة: عنمدا العلماء يجتمعون بعضهم البعض ويتفقون جميعاً عن الحكم.
*29*وهذا موقف عجيب لانّ الإجتهاد لعب دوراً كبيراً بين ملأ الفرس في الوقت الحاضر.
*30*التقليد: بمعنى نقل.
*31*سورة التّوبة، أية ٧١